Descriptions
عدد الصفحات: 210 ص
لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ نَوْعُ العَلَاقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَجْمَعُ النَّاظِمَ العَلَّامَةَ سَيِّدِي أَحْمَدَ سُكَيْرِجَ بِشَيْخِهِ القُطْبِ الرَّبَّانِي، وَالغَوْثِ الصَّمَدَانِي، أَبِي العَبَّاسِ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَالرَّجُلُ كَانَ مِنْ أَبْرَزِ أَعْلَامِ مَنْهَجِهِ وَطَرِيقَتِهِ، بَلْ جَنَّدَ نَفْسَهُ مُنْذُ السَّنَوَاتِ الأُولَى مِنْ تَحْصِيلِهِ وَتَخَرُّجِهِ لِخِدْمَةِ الطَّرِيقَةِ التِّجَانِيَةِ، وَالذَّوْدِ عَنْ حِمَاهَا، وَإِبْرَازِ مَكَامِنِ قُوَّتِهَا، وَقَوَاعِدِهَا وَشُرُوطِهَا، فَلَا تَسْأَلْ عَنْ مُؤَلَّفَاتِهِ فِي هَذَا النِّطَاقِ، فَهِيَ كَثِيرَةٌ جِدّاً، وَعَلَى أَكْثَرَ مِنْ صَعِيدٍ.
وَلَمْ يَكُنْ النَّاظِمُ العَلَّامَةُ سَيِّدِي أَحْمَدُ سُكَيْرِجُ مُعَاصِراً لِلشَّيْخ أَبِي العَبَّاسِ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، بَلْ تَأَخَّرَ عَصْرُهُ عَنْهُ بِمَا يُنَاهِزُ سَبْعِينَ سَنَةً، لَكِنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعاً لَهُ مِنَ التَّشَبُّثِ بِفِكْرِ هَذَا الشَّيْخِ الجَلِيلِ وَأَثَرِهِ وَعِلْمِهِ وَطَرِيقِهِ، خُصُوصاً وَقَدْ اجْتَمَعَ بِبَعْضِ كِبَارِ وَرَثَتِهِ وَحَمَلَةِ سِرِّهِ، كَالعَارِفِ سَيِّدِي أَحْمَدَ العَبْدَلَّاوِي، وَالعَلَّامَةِ سَيِّدِي مَحَمَّدٍ كَنُّونَ، وَالعَلَّامَةِ سَيِّدِي عَبْدِ اللَّهِ البَدْرَاوِي، وَالعَلَّامَةِ سَيِّدِي عَبْدِ المَالِكِ العَلَوِي الضَّرِيرِ، وَآخَرِينَ.
فَعَنْ هَؤُلَاءِ وَآخَرِينَ تَرَبَّتْ مَحَبَّةُ الشَّيْخِ أَبِي العَبَّاسِ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَلْبِ النَّاظِمِ العَلَّامَةِ سَيِّدِي أَحْمَدَ سُكَيْرِجَ، كَمَا لَا يَفُوتُنَا التَّنْبِيهُ أَنَّ النَّاظِمَ وُلِدَ وَنَشَأَ فِي زُقَاقٍ قَرِيبٍ مِنَ الزَّاوِيَةِ التِّجَانِيَةِ الكُبْرَى بِفَاسٍ، بَلْ كَانَ عَلَى صِلَةٍ مُتَوَاصِلَةٍ مَعَ هَذِهِ الزَّاوِيَةِ وَهُوَ فِي سِنِّ التَّمْيِّيزِ لَا غَيْرَ، حَيْثُ كَانَ يَصْطَحِبُهُ جَدُّهُ أَوْ وَالِدُهُ لِذِكْرِ الوَظِيفَةِ المَعْلُومَةِ بِهَا.
فَبِهَذَا وَذَاكَ فَالزَّاوِيَةُ التِّجَانِيَةُ لَمْ تَكُنْ غَرِيبَةً عَنْهُ فِي فَتْرَةٍ مِنْ فَتَرَاتِ حَيَاتِهِ، بَلْ كَانَ لَصِيقاً بِهَا فِي كُلِّ أَحَايِنِهِ، وَقَدْ وَقَفْتُ عَلَى تَقْيِّيدٍ قَدِيمٍ لَهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ صِبَاهُ يَلْعَبُ مَعَ الأَطْفَالِ مِنْ سَاكِنِي دَرْبِهِ، وَكَانُوا فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ يَصِلُونَ وَهُمْ يَلْعَبُونَ إِلَى حَدِّ بَابِ الزَّاوِيَةِ التِّجَانِيَةِ الكُبْرَى، نَظَراً لِقُرْبِهَا مِنْ دَرْبِهِمْ، قَالَ العَلَّامَةُ سَيِّدِي أَحْمَدُ سُكَيْرِجُ: وَكُنْتُ بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ الآخَرِينَ لَا أَسْتَطِيعُ اللَّعِبَ مَعَهُمْ هُنَاكَ، تَأْخُذُنِي هَيْبَةُ المَكَانِ وَجَلَالَتُهُ، وَغَالِباً مَا أَتْرُكُهُمْ وَأَعُودُ عَلَى الفَوْرِ إِلَى الدَّرْبِ الَّذِي نَسْكُنُهُ..
وَلَا نَنْسَى وَنَحْنُ نَتَحَدَّثُ عَنْ هَذِهِ العَوَامِلِ أَنَّ النَّاظِمَ العَلَّامَةَ سُكَيْرِجَ وُلِدَ فِي بَيْئَةٍ ذَاتِ عَلَاقَةٍ وَطِيدَةٍ بِالزَّاوِيَةِ المَذْكُورَةِ، فَجَدُّهُ مِنْ جِهَةِ أَبِيهِ [سَيِّدِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ سُكَيْرِجُ] كَانَ مِنْ عِدَادِ أَصْحَابِ الشَّيْخِ التِّجَانِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، المُعَاصِرِينَ لَهُ وَالآخِذِينَ عَنْهُ، أَمَّا جَدُّهُ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ فَهُوَ سَيِّدِي عَبْدُ الوَهَّابِ التَّازِي، وَهُوَ الآخَرُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِينَ تَتَلْمَذُوا لَهُ وَتَبَرَّكُوا بِهِ وَأَخَذُوا عَنْهُ.
وَبِهَذَا يَعْلَمُ القَارِئُ أَنَّ النَّاظِمَ لَمْ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ، بَلْ هُوَ إِبْنُ الزَّاوِيَةِ، تَرَبَّى وَتَرَعْرَعَ فِي حِجْرِهَا، وَهَذِهِ مِنْ أَهَمِّ العَوَامِلِ الَّتِي أَكْسَبَتْهُ تَعَلُّقاً أَكْثَرَ وَتَشَبُّثاً بِهَذَا الشَّيْخِ الجَلِيلِ.
Add a review