Descriptions
عدد الصفحات: 85 ص
يقول المحقق العلامة الدكتور سيدي محمد الراضي كنون الإدريسي الحسني: تَتَمَيَّزُ المُصْطَلَحَاتُ الصُّوفِيَةُ بِهَوِيَّتِهَا وَنَفَسِهَا، وَقَدْ انْفَرَدَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْ أَعْلَامِ التَّصَوُّفِ بِنَمَطٍ خَاصٍّ مِنْ هَذِهِ المُصْطَلَحَاتِ، وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا لِأَغْرَاضَ لَهُمْ فِيهَا مِنْ تَصْحِيحِ الوِجْهَةِ، وَتَقْرِيبِ الفَهْمِ، وَتَبْسِيطِ مَا يُرِيدُونَ قَوْلَهُ مِنْ خِلَالِ كِتَابَاتِهِمْ المُخْتَلِفَةِ، هَادِفِينَ مِنْ وَرَاءِ هَذَا وَذَاكَ إِلَى اسْتِعْمَالِ أَلْفَاظٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ، بِغَرَضِ الكَشْفِ عَنْ مَعَانِيهَا وَأَسْرَارِهَا دَاخِلَ مُحِيطِهِمْ، وَالعَمَلِ عَلَى إِخْفَائِهَا فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ عَلَى مَنْ بَايَنَهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْهُمْ.
وَالمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الخُطَّةِ أَنْ تَكُونَ أَسْرَارُهُمْ فِي مَأْمَنٍ، كَيْ لَا تَشِيعَ فِي غَيْرِ أَهْلِهَا، بَلْ تَبْقَى مَصُونَةً مَحْفُوظَةً، يَنْطَبِقُ عَلَيْهَا قَوْلُ القَائِلِ: [ وَمِنْ شِدَّةِ الظُّهُورِ الخَفَاءُ ]
وَخُلَاصَةُ القَوْلِ فَهَذِهِ المُصْطَلَحَاتُ هِيَ بِمَثَابَةِ مَعَانٍ أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا أَسْرَاراً عِظَاماً، لَا تَلْحَقُهَا الخَوَاطِرُ وَالأَفْكَارُ، وَهِيَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا رُمُوزٌ مُبْهَمَةٌ، وَفِي جَوْفِهَا مَوَاهِبُ وَلَطَائِفُ، وَإِشَارَاتٌ لَا تُنَالُ إِلَّا ذَوْقاً.
وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ الكَلَامَ الصُّوفِي عَصِيٌّ عَلَى الفَهْمِ بِكُلِّ مَا تَحْمِلُهُ هَذِهِ الكَلِمَةُ مِنْ دَلَالَةٍ، فَمِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكَانٍ إِدْرَاكُ مَعَانِيهِ، لِمَاذَا ؟ لِأَنَّهُ كَلَامٌ دَقِيقٌ، لَا يَرْجِعُ إِلَى العَقْلِ وَأَدَوَاتِهِ، وَلَا إِلَى النَّحْوِ وَالبَلَاغَةِ وَقَوَاعِدِهِمَا، بَلْ يَعُودُ بِالدَّرَجَةِ الأُولَى إِلَى الذَّوْقِ، وَلِهَذَا قِيلَ: مَنْ ذَاقَ عَرَفَ، وَمَنْ لَمْ يَذُقْ فَلَا حَرَجَ إِذَا سَلَّمَ وَاعْتَرَفَ.
وَكِتَابُ الشَّطَحَاتِ السُّكَيْرِجِيَّةِ لِلْعَلَّامَةِ العَارِفِ بِاللَّهِ سَيِّدِي أَحْمَدَ سُكَيْرِجَ يَدْخُلُ فِي هَذَا الإِطَارِ مِنْ أَلِفٍ إِلَى يَاءٍ، وَالخِطَابُ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ عَامّاً أَوْ خَاصّاً فَهُوَ ذُو حُمُولَةٍ وَعْظِيَّةٍ تَوْجِيهِيَّةٍ مِنْ نَاحِيَةٍ، وَلَطَائِفَ وَمَعَارِفَ وَمَفَاهِيمَ مِنْ نَاحِيَةٍ ثَانِيَةٍ.
وَمَهْمَا يَكُنْ مِنْ أَمْرٍ فَالكِتَابُ هُوَ نَصٌّ أَدَبِيٌّ نَثْرِي، يَنْتَحِي فِيهِ مُؤَلِّفُهُ مَنْحَى الغُمُوضِ وَالإِبْهَامِ، مِمَّا يَجْعَلُ القَارِئَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِهِ فِي مُعْظَمِ أَحْيَانِهِ، وَيَدْفَعُهُ لِلْمُحَاوَلَةِ فِي البَحْثِ عَنْ تَفْكِيكِ شَفْرَتِهِ.
لَكِنْ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَكَلَامُ القَوْمِ عَالٍ وَنَفِيسٌ، وَهُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى كُلِّ المَقَايِّيسِ، لَا يُخَاطِبُ الزَّمَنَ المَاضِي عَلَى حِدَةٍ، بَلْ يُخَاطِبُ الأَزْمِنَةَ الثَّلَاثَ بِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ، [المَاضِي وَالمُضَارِعُ وَالأَمْرُ] أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى [ مَا مَضَى وَالآنَ وَالآتِي ] فَالكَلَامُ هُنَا صَالِحٌ لِكُلِّ زَمَانٍ، بَلْ وَمُوَجَّهٌ إِلَى كُلِّ فِئَةٍ مِنْ فِآتِ أَهْلِ التَّصَوُّفِ تَبْصِرَةً لَهُمْ وَتَعْلِيماً، وَفَهْماً وَإِرْشَاداً.
وَالنَّصُّ فِي هَذَا الكِتَابِ [الشَّطَحَاتِ السُّكَيْرِجِيَّةِ] نَصٌّ صُوفِي يَنْزَعُ إِلَى التَّعْرِيفِ بِحَقِيقَةِ الإِنْسَانِ وَمَاهِيَّتِهِ، وَمَا المُرَادُ مِنْهُ؟ وَمَا هِيَ حُدُودُ وَظِيفَتِهِ؟ بَلْ مَا هِيَ آفَاقُهُ؟ وَكَيْفَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَامَلَ مَعَهَا؟ كُلُّ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ مَطْرُوحَةٌ بَيْنَ طَيَّاتِ هَذَا الكِتَابِ المُبَارَكِ، وَقَدْ تَكَلَّفَ مُؤَلِّفُهُ بِالإِجَابَةِ عَنْهَا وِفْقَ مَنْظُورٍ صُوفِي، مُبْتَعِدٍ عَنِ الزَّخْرَفَةِ وَالبَهْرَجَةِ المُفْتَعَلَةِ، وَيَنْحَى مَنْحَى الإِيجَازِ وَالتَّلْخِيصِ، مَعَ العُذُوبَةِ، وَجَوْدَةِ العِبَارَةِ، وَسَلَامَةِ المَعْنَى، وَسَلَاسَةِ القَوْلِ.
Add a review