Descriptions
عدد الصفحات: 120 ص
اهْتَمَّ العَلَّامَةُ سَيِّدِي أَحْمَدُ سُكَيْرِجُ بِكَثِيرٍ مِنَ الأَغْرَاضِ الشِّعْرِيَّةِ، وَأَعْطَاهَا حَيِّزاً كَبِيراً مِنْ وَقْتِهِ، وَاعْتَنَى بِمَدْلُولَاتِهَا، وَمِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الأَغْرَاضِ جَانِبُ الرِّثَاءِ، سَوَاءٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُحِيطِهِ العَائِلِيِّ، أَوْ بِأَسَاتِذَتِهِ وَشُيُوخِهِ الَّذِينَ تَتَلْمَذَ عَلَى أَيْدِيهِمْ بِفَاسٍ وَغَيْرِهَا، أَوْ بِمُقَدَّمِيهِ مِنْ أَعْلَامِ الطَّرِيقَةِ التِّجَانِيَةِ وَرُوَّادِهَا الكِبَارِ.
وَلَا نَنْسَى أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ فِي مَرْثِيَّاتِهِ كَافَّةَ أَلْوَانِ الرِّثَاءِ مِنْ نَدْبٍ وَتَأْبِينٍ وَعَزَاءٍ، كَمَا أَنَّهُ انْتَهَجَ فِيهَا مَشَاعِرَ صَادِقَةً، وَأَحَاسِيسَ مُعَبِّرَةً، تَدُلُّ عَلَى صِلَتِهِ الوَطِيدَةِ بِكُلِّ مَنْ رَثَاهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِهِمْ وَطَبَقَاتِهِمْ،
وَلَابُدَّ وَأَنْتَ تَقْرَأُ قَصِيدَةً مِنْ مَرْثِيَّاتِهِ أَنْ تَشْعُرَ بِأَنَّ عِبَارَاتِهِ المُتَوَالِيَةَ نَابِعَةٌ مِنْ أَعْمَاقِ القَلْبِ، الشَّيْءُ الَّذِي يَجْعَلُهُ ذَا رَوْنَقٍ خَاصٍّ وَجَمِيلٍ، وَبِهِ وَمِنْ خِلَالِ نَسَقِهِ تَعْلَمُ لَامَحَالَةَ نَوْعِيَّةَ العَلَاقَةِ الَّتِي كَانَتْ تَرْبِطُهُ بِالأَشْخَاصِ الَّذِينَ رَثَاهُمْ.
وَعُمُوماً فَقَدْ كَانَ النَّاظِمُ العَلَّامَةُ سُكَيْرِجُ مُلِمّاً بِأَدَوَاتِ الرِّثَاءِ، يَلْتَزِمُ فِيهَا بِخَرِيطَةِ طَرِيقٍ قَلَّمَا يَلْتَزِمُهَا غَيْرُهُ، يَبْتَدِي فِي مُقَدِّمَةِ القَصِيدَةِ بِبَثِّ حُزْنِهِ وَشَكْوَاهُ مِمَّا أَصَابَهُ وَأَلَمَّ بِهِ، وَغَالِباً مَا يَسْتَهِلُّهَا بِمُخَاطَبَةِ دُمُوعِ العَيْنِ، وَوَصْفِ حَالَتِهَا، وَطَلَبِ البُكَاءِ مِنْهَا، أَعْنِي مَجَازِياً، وَكُلُّ هَذَا وَذَاكَ فِي قَالَبٍ يَنْحَى مَنْحَى الإِعْتِبَارِ، مَشُوباً بِالأَسَى وَالحُزْنِ حَسْرَةً عَلَى فِرَاقِ الفَقِيدِ. وَخُلَاصَةُ القَوْلِ فَالنَّاظِمُ حَرِيصٌ عَلَى ذِكْرِ المَيِّتِ بِشَكْلٍ يُوفِي كَافَّةَ حُقُوقِهِ، إِذْ لَا يُقَصِّرُ فِي ذِكْرِ خِصَالِهِ وَمَنَاقِبِهِ وَصِفَاتِهِ وَمَزَايَاهُ، وَغَالِباً مَا يَتَجَنَّبُ التَّصَنُّعَ فِي شِعْرِ الرِّثَاءِ، وَيَعُدُّ ذَلِكَ وَاجِباً فِي تَكْرِيمِ المَيِّتِ وَتَأْبِينِهِ.
وَلَا يَفُوتُنَا التَّنْبِيهُ أَنَّ قَصِيدَةَ الرِّثَاءِ عِنْدَ العَلَّامَةِ سَيِّدِي أَحْمَدَ سُكَيْرِجَ تَتَخَلَّلُهَا أَشْكَالُ العَزَاءِ مِنَ الرَّأْسِ إِلَى القَدَمِ، حَيْثُ تَتَّجِهُ عِبَارَاتُهُ نَحْوَ التَّفْكِيرِ فِي المَوْتِ وَمَا وَرَاءَهَا، مَعَ إِسْدَاءِ النَّصَائِحِ وَالتَّوْجِيهَاتِ ذَاتِ الصِّلَةِ بِهَذَا الجَانِبِ، وَالتَّذْكِيرِ بِقِصَرِ عُمْرِ الإِنْسَانِ، وَأَنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ أَعْمَالِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَأَنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ خُلُودٍ وَقَرَارٍ، بَلْ هِيَ دَارُ ابْتِلَاءٍ وَعُبُورٍ، وَهِيَ مُجَرَّدُ أَضْغَاثِ أَحْلَامٍ، بَلْ شِبْهُ خَيَالٍ فِي خَيَالٍ، مَعَ تَحْفِيزِ القَارِئِ إِلَى العَمَلِ الصَّالِحِ، وَالتَّشَبُّتِ بِهِ، وَالسَّيْرِ عَلَى مِنْهَاجِهِ.
Add a review